كركدن البحر: حارس المحيط الغامض بين القوة والجمال

 كركدن البحر: رحلة إلى قلب عالمه الساحر

هل سمعت يوما عن حيوان يدعى كركدن البحر؟ هو نوع من الحيتان التي تعيش في المحيط الشمالي المتجمد، ويطلق عليه أيضا لقب حريش البحر أو الحوت الوحيد القرن أو النروال، ويمتلك شكلا غريبا وعجيبا للغاية، وإذا كنت تعرفه من قبل فهل تساءلت يوما عن سبب تسميته بهذا الاسم؟ أو تساءلت عن شكله أو موطنه أو نظامه الغذائي أو حتى عن تكيفه مع بيئته المائية؟ كل هذا وأكثر سنتعرف عليه في هذه المقالة، لذا دعنا نستعرض أهم المعلومات وأغرب الأسرار والحقائق عن هذا الكائن الفريد والغامض والمثير للاهتمام.

كركدن البحر أو حريش البحر أو النروال

التصنيف العلمي:

مقدمة تعريفية:

كركدن البحر المعروف بعدة أسماء (حريش البحر أو النروال أو وحيد القرن البحري) هو حيوان ثديي بحري يعيش في المحيط القطبي المتجمد الشمالي بالقرب من روسيا وكندا وجرينلاند. يمتلك ناب طويل ملتفت يبرز من مقدمة رأسه قد يصل إلى 3 أمتار، ويتميز بجسمه الانسيابي المغطى ببقع رمادية وسوداء.

يتغذى غالبا على الأسماك والقشريات وغيرها، ويعتبر من الحيوانات الإجتماعية نسبيا حيث يعيش في مجموعات صغيرة، وقد تجتمع بأعداد كبيرة في فترة الهجرة الجماعية الموسمية. ويعد جزءا مهما في النظام البيئي البحري في القطب الجنوبي، على الرغم من مواجهته للعديد من التحديات التي تهدد بيئته الطبيعية.

الشكل الخارجي:

• الجسم: ضخم وممتلئ وقوي وانسيابي بحيث يتناسب مع البيئة المائية، إضافة إلى ظهر مقوس يساعده على السباحة، وناب طويل وحاد يمتد للأمام.
• الرأس: مستدير وليس به منقار واضح كباقي الحيتان الأخرى مثل الدلافين، مع جلد مرن وناعم يساعده في البيئات المائية الباردة.
• الفم: صغير نوعا ما ويتغذى به من خلال عملية الشفط بدل المضغ.
• الأسنان: يمتلك عدد قليل من الأسنان معظمها غير وظيفية باستثناء الناب الطويل.
• العيون: صغيرة نسبيا وتقع على جانبي الرأس ومتكيفة للرؤية في أعماق المحيطات المظلمة.
• الناب (القرن): يعتبر السمة الأبرز لدى كركدن البحر، وهو عبارة على ناب طويل وحاد يمتد للأمام، وهو في الواقع هو عبارة عن سن علوي يساري ملتوي وطويل، ويمكن أن يصل طوله إلى 3 أمتار خاصة لدى الذكور أما بعض الاناث قد تمتلك ناب أقصر، ويحتوي الناب على نهايات عصبية يستخدمها كمستشعرات للبيئة المحيطة به أو في أثناء التفاعلات الاجتماعية.
• الثقب التنفسي: عبارة على فتحة تنفسية توجد في أعلى الرأس تمكنه من التنفس عند الصعود إلى سطح الماء، وتكون مغلقة بإحكام عندما يكون تحت الماء.
• الزعانف: تساعده على التحرك والتكيف مع البيئة الباردة، وتتكون من عدة زعانف مختلفة:

1. الزعانف الصدرية (الجانبية): قصيرة ومستديرة عند الأطراف، حيث تساعده في توجيه الجسم أثناء السباحة وتحقيق التوازن والمناورة بسهولة في المياه الباردة.
2. الزعنفة الظهرية: صغيرة مقارنة بالحيتان الأخرى وهو ما يساعدها على السباحة بسهولة دون أن تتعثر.
3. الزعنفة الذيلية: عريضة ومسطحة وأفقية الشكل، وتعد العضو الأساسي في عملية الدفع.

اللون:

الحجم:

الوزن:

الموطن والموئل:

• المحيط المتجمد الشمالي: في المناطق القريبة من كندا وجرينلاند وروسيا والنرويج، وغالبا ما يتواجد بالقرب من الجليد البحري لكي يحميه من الحيوانات المفترسة، ويفضل المياه الباردة التي تتراوح درجة حرارتها بين 1.5- و 5 درجات مئوية.

أما بالنسبة للموئل الخاص بكركدن البحر فهو كالآتي:

• المناطق الساحلية: يتجمع كركدن البحر في الخلجان والمضايق الساحلية في فصل الصيف خاصة في كندا وجرينلاند.
• المياه العميقة: يهاجر إلى المياه العميقة المفتوحة في فصل الشتاء للبحث عن الطعام.
• تحت الجليد: يحب العيش في المناطق التي يتشكل فيها الجليد البحري، حيث يستخدمه كمأوى وكمصدر للحماية.

كندا: في خليج بافن ومضيق هدسون.

جرينلاند: في المياه المحيطة بجرينلاند.

النرويج: في المناطق القطبية النرويجية.

روسيا: في المناطق القطبية الشمالية قرب سيبيريا.

النظام الغذائي:

• الأسماك: تشكل الجزء الأكبر من نظامه الغذائي، حيث يتغذى على مختلف أنواع الأسماك التي تعيش في المياه الباردة مثل سمك القد القطبي وسمك الهلبوت وسمك الكبلين.
• الحبار: يتغذى على الحبار الذي يعيش في أعماق المحيطات.
• القشريات: يتغذى على بعض القشريات الصغيرة مثل الروبيان والكريل خاصة عندما تكون الأغذية الأساسية كالأسماك والحبار غير متوفرة.

يغوص كركدن البحر إلى الأعماق (1500 متر) للبحث عن الطعام، ويستخدم صدى الصوت لتحديد موقع الفريسة في المياه المظلمة. يقوم بابتلاع الطعام (الشفط) دون مضغه لأنه لا يمتلك أسنان مصممة للمضغ، ويحتاج إلى كميات كبيرة من الطعام بشكل يومي لكي يحافظ على طاقته في البيئة الباردة.

كباقي الثدييات لا يستطيع كركدن البحر العيش لفترة طويلة بدون طعام، وفي العموم يستطيع البقاء بضعة أيام إلى أسبوعين على حسب احتياطي الدهون في جسمه، خاصة في فصل الصيف عندما يكون الغذاء غير متوفر بكثرة.

السلوك والحياة الاجتماعية:

يعد كركدن البحر من الحيوانات الإجتماعية حيث يعيش ضمن مجموعات تسمى باسم القرون أو القطيع، وتتراوح الأعداد في هذه المجموعات بين بضعة أفراد إلى 20 فرد تقريبا وفي بعض الأحيان قد تتجمع مئات الحيتان المختلفة معا خلال موسم الهجرة، وخلال موسم التزاوج يتنافس الذكور على الإناث من خلال استعراضات جسدية باستخدام أنيابهم.

يقوم كركدن البحر بهجرات موسمية طويلة حيث يهاجر بين مناطق التغذية في الصيف ومناطق الإنجاب في الشتاء، حيث يقضي الصيف في المناطق القريبة من السواحل والمياه الأقل عمقا وينتقل إلى المياه العميقة في الشتاء. عادة ما تكون الذكور أكثر ارتباطا ببعضها البعض فيما تظل الإناث في رعاية الصغار بعض الولادة لفترات طويلة نوعا ما.

يعد التواصل أمرا هاما لدى كركدن البحر على المستوى الاجتماعي والبيئي، إليك بعض الطرق والأساليب التي يعتمد عليها للتواصل:

1. الطنين: التواصل بين الأم وغيرها.
2. النقرات: التنقل وتحديد المواقع والتواصل مع الأفراد الآخرين.
3. الصفارات: التفاعلات الاجتماعية مثل التزاوج أو التنسيق بين الأفراد.
4. الأنياب: يستخدم نابه لإصدار أصوات أو اهتزازات تحت الماء لجذب انتباه الأنثى أو لترهيب الذكور الآخرين.
5. التفاعلات الجسدية: من خلال عملية اللمس خاصة بين الابن وصغيرها، وقد يستخدم الذكور أنيابهم للمس أو الاحتكاك ببعضهم كجزء من التفاعلات الاجتماعية.
6. التواصل أثناء الصيد: يستخدم الأصوات أثناء الصيد لتنسيق الحركات بين أفراد المجموعة خاصة عند البحث عن الطعام، ويعتمد على النقرات لتحديد موقع الفريسة في المياه المظلمة.
7. التواصل خلال موسم التزاوج: يصدر الذكور أصواتا مميزة خلال موسم التزاوج لجذب الإناث.
8. التواصل بين الأم وصغيرها: تصدر الأم أصوات خاصة لصغيرها حتى يبقى قريبا منها عند وجود أي تهديد.

التكاثر ودورة الحياة:

عادة ما تكون فترة التكاثر لدى كركدن البحر في فصل الربيع خاصة بين شهري مارس ومايو، حيث يتنافس الذكور فيما بينهم على الإناث باستخدام أنيابهم من أجل إظهار القوة والسيطرة، ويصدر الذكور أيضا أصواتا مميزة لجذب الإناث وقد يشاركون في بعض العروض التي تشمل الاحتكاك بالأنياب أو الدفع الخفيف.

بعدما تتم عملية التزاوج تحمل الأنثى جنينا واحدا على الأغلب، وتستمر فترة الحمل حوالي 15 شهرا وهي من أطول فترات الحمل لدى الثدييات. تحدث الولادة غالبا في المياه الدافئة بالقرب من السواحل أو تحت الجليد، وعندما يخرج الصغير للحياة يعتمد على أمه بشكل كلي، حيث يبدأ في الرضاعة من أمه حيث يحتوي حليبها على نسبة عالية من الدهون التي تساعده على النمو.

تستمر فترة الرضاعة من 12 إلى 18 شهرا، على الرغم من أن الصغير يبدأ في أكل الطعام الصلب بعد بضعة أشهر فقط من الولادة، ويبقى الصغير رفقة أمه لما يقارب السنتين يتعلم فيها مهارات البقاء كالصيد وكيفية التنقل تحت الجليد وتجنب الحيوانات المفترسة، ويصل صغير كركدن البحر للنضج الذي يؤهله للتزاوج في عمر 6 إلى 9 سنوات بالنسبة للإناث، أما الذكور فمن 9 إلى 12.

يعيش كركدن البحر غالبا في البرية من 30 إلى 50 سنة، أما بالنسبة للأسر فقد يعيش لفترات طويلة مقارنة بالبرية في حال توفرت له الظروف المناسبة.

التهديدات والمخاطر:

• ذوبان الجليد: بسبب ارتفاع درجات الحرارة مما يؤثر على الموئل الخاص به.
• تغيرات في النظام البيئي: يؤثر على توافر الفرائس التي يعتمد عليها مثل الأسماك والحبار.
• الصيد الجائر: يتم صيد كركدن البحر بشكل غير قانوني من أجل الحصول على أنيابه، ويتم صيده من قبل السكان المحليين للحصول على لحمه وجلده.
• التلوث البحري: تراكم المواد الكيميائية مثل المبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة يؤثر سلبا على صحة كركدن البحر، وأيضا ابتلاع البلاستيك أو التشابك فيه قد يشكل خطورة عليه.
• الضوضاء تحت الماء: كالأنشطة البشرية المتمثلة في التنقيب عن النفط والغاز وغيرهما، وهذه الضوضاء تصعب عليه تحديد موقع الفريسة أو تجنب المفترسات.
• الحيوانات المفترسة: مثل الحيتان القاتلة أو الدببة القطبية.
• الاحتباس الحراري: ارتفاع درجة الحرارة يؤثر على النظام البيئي الذي يعتمد عليه، ويؤدي أيضا إلى تغيرات في مدى توافر الفرائس.
• الأمراض: مع زيادة الضغوط البيئية قد يصبح أكثر عرضة للأمراض والطفيليات.

جهود الحماية والمحافظة عليه:

1. إنشاء مناطق بحرية محمية هدفها منع الصيد والتلوث في موئله، مما يوفر بيئة آمنة له من أجل التغذية والتكاثر.
2. الحد من الأنشطة الصناعية في مناطق معيشته كاستخراج النفط والغاز.
3. فرض قوانين صارمة للحد من الصيد الجائر لأغراض تجارية خاصة تجارة أنيابه العاجية.
4. حملات توعوية لتثقيف المجتمعات حول أهمية حماية كركدن البحر.
5. تنفيذ برامج لإعادة تأهيل الأفراد المصابة أو المريضة منها وإعادة إطلاقها مرة أخرى للبرية.
6. الحد من التلوث البحري خاصة البلاستيك والمواد الكيميائية. 

الاتفاقيات الدولية:

1. اتفاقية التجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض (CITES).
2. الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN): يضعه ضمن قائمة الأنواع القريبة من التهديد ويقوم بمراقبة أعداده.
3. اتفاقية حماية الثدييات البحرية في القطب الشمالي.

الأهمية البيئية:

• المحافظة على صحة الأعشاب البحرية من خلال الرعي الانتقائي وتدوير المغذيات في النظام البيئي البحري.
• دعم التنوع البيولوجي من خلال مساهمته في تكوين موائل وموارد غذائية للعديد من الكائنات البحرية.
• تعزيز السلسلة الغذائية باعتباره فريسة للحيوانات المفترسة الكبيرة كأسماك القرش.
• يلعب دورا مهما في تخزين الكربون الأزرق من خلال محافظته على الأعشاب البحرية، وهذا الفعل يساعد على تقليل تأثيرات المناخ.
• تحسين جودة المياه من خلال محافظته أيضا على الأعشاب البحرية والتي تعمل على تنقية المياه عن طريق امتصاص الملوثات وتثبيت الرواسب.
• يعد وجوده بأعداد كبيرة مؤشرا على صحة البيئة البحرية.
• يساعد في الحفاظ على التوازن البيئي من خلال منع التغيرات في النظم البيئية مثل التراكم المفرط للأعشاب القديمة التي قد تؤدي إلى نقص الأكسجين في المياه.

معلومات عامة:

• الناب الطويل الذي يظهر من رأس كركدن البحر هو في الواقع سن علوي طويل وليس قرنا.
• يمكن أن يصل طول الناب إلى 3 أمتار، وهو أطول سن في مملكة الحيوانات.
• يعتقد العلماء أن الناب يستخدم لاستشعار التغيرات في البيئة المحيطة به مثل درجة حرارة الماء وملوحته.
• كركدن البحر لديه فقط سنان أحدهما هو الناب الطويل والآخر يبقى صغيرا ومخفيا.
• يمكنه الغوص إلى أعماق تصل إلى 1500 متر للبحث عن الطعام.
• يستطيع السباحة بشكل عكسي وهي مهارة نادرة بين الثدييات البحرية.
• أعداؤه الطبيعيون هم الحيتان القاتلة والدببة القطبية.
• يعتمد الغذاء في الشتاء على مخزون الدهون في جسمه للبقاء على قيد الحياة.
• يمكنه السباحة بسرعة تصل إلى 25 كم/ساعة عند الشعور بالخطر.
• يحتاج إلى تناول حوالي 30 كجم من الطعام يومياً.
• يعتبر كركدن البحر من أكثر الثدييات البحرية ذكاءً.
• يمكنه البقاء تحت الماء لمدة تصل إلى 25 دقيقة دون تنفس.
• يستخدم الصدى لتحديد موقع الفريسة في المياه المظلمة.
• لونه يساعده على الاندماج مع البيئة الجليدية لتجنب الحيوانات المفترسة.
• في الماضي كان يعتقد أن ناب كركدن البحر له خصائص سحرية.
• يعتبر كركدن البحر رمزا ثقافيا للشعوب القطبية مثل الإنويت.

الخاتمة:

كركدن البحر الذي يتميز بقرنه الطويل وأسراره الغامضة، يظل أحد أكثر الكائنات البحرية إثارة للدهشة. يعيش في بيئة قاسية لكنه مع ذلك يتكيف ببراعة، مستخدما نابه الفريد للاستشعار والصيد وحتى للتواصل. ومع ذلك، فإن التغير المناخي والصيد الجائر يهددان وجوده، مما يجعل حمايته مسؤولية عالمية للحفاظ على هذا الكائن الفريد.